2011/07/15

معبر رفح وصور من العذاب


بقلم: إياد إبراهيم القرا
 عاد معبر رفح ليمثل عقبة حقيقية أمام كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وللأسف معبر رفح بعد الثورة المصرية استمر كما هو معبر رفح قبلها، بوابة الحصار والتضييق وتعطيل المسافرين وغيرها من أشكال الإهانة. 
 الحديث عن معبر رفح فلسطينياً يثير الكثير من الألم ويعتصر القلوب أمام مئات القصص والروايات التي تتجدد اليوم أمام معاناة معبر رفح لمرضى وطلاب وعائلات فلسطينية تقطعت بهم السبل في غزة التي جاؤوا إليها لقضاء جزء من صيفهم فيها بعد انقطاع لعدة سنوات لاعتقادهم أن معبر رفح بعد الثورة ليس كما هو قبل الثورة.

  ما يحدث في معبر رفح أعاد الفلسطيني للدائرة الأولى والمتواصلة من المعاناة بسبب الإجراءات المترتبة على تحديد عدد لا يتجاوز 300 شخص يومياً ويزيد أحياناً مقابل عشرين ألفاً مسجلين للسفر خلال هذه الفترة، إلى جانب الانتظار الطويل وسط زحمة الصيف التي لا تطاق والانتظار لعدة أيام، ليتفاجأ أخيرا المسافر بقرار الإعادة من الجانب المصري لتصل نسبة المرجعين يومياً إلى ثلاثين مسافراً ويزيد أحياناً ضمن سياسة غير واضحة ويشوبها الكثير من الاستغراب. 
 أحد المسافرين شاب فلسطيني مقيم في إحدى دول الخليج ومتزوج هناك من إحدى الجنسيات العربية ترك عمله وزوجته وأبناءه وجاء في زيارة لأهله في غزة بعد غياب لعدة سنوات، وبعد معاناة طويلة تمكن من تسجيل اسمه ضمن المسافرين الأسبوع الماضي، لتكون المفاجأة إرجاعه من قبل الجانب المصري على الرغم من انه قدم قبل أيام من القاهرة ويحمل إقامة وكان يعيش بتلك البلد لمدة عشر سنوات متواصلة، إذاً ما هو المبرر المصري لتشتيت هذه الأسرة لتضاف إلى آلاف الأسر الفلسطينية التي شتتها معبر رفح. 
 هذا نموذج لشاب فلسطيني يدفع ثمن الإجراءات غير المبررة على معبر رفح من قبل الأشقاء المصريين، وقائمة السرد للقصص المؤلمة لعروس انتظرت طويلاً لإتمام زفافها في قطر ومئات المرضى الذين يعودون أدراجهم يومياً أمام قساوة الإجراءات المتبعة، فأحد الشباب يعاني من مرض خطير مفاجئ لا يعرف مدى دقة تشخيصه لأسباب ترتبط بحاجته لأجهزة متطورة في هذا الجانب ينتظر منذ أيام للسفر لكن لم يحالفه الحظ وكل يوم يمر عليه هو بمثابة عام بانتظار تسهيلات معبر رفح. 
 الجميع استبشر خيراً بالإعلان المصري حول تسهيلات معبر رفح لكن للأسف لم تدم سوى يوم واحد، ولا يعرف سبب التراجع المصري عن هذا الأمر بصورة أضرت بصورة مصر الثورة في أعين الفلسطينيين بعد أن استبشر الجميع أن معبر رفح بعد الثورة ليس كما هو قبلها، أو على الأقل يجب ألا يكون كذلك. 
 فمصر التي نحب ومصر التي نريد هي مصر الثورة التي تزيل الظلم والعدوان وتفتح قلبها وروحها لأهالي غزة المحاصرين بعد سنوات أنهكهم فيها معبر رفح وكان السيف المسلط على رقبة المريض والمسافر والحجيج والطلاب وكل من فكر يوماً بعبور بوابته السوداء. 
 قد تمتلك القيادة المصرية من المبررات لإعادة العمل في معبر رفح وفق السياسة القديمة على الرغم من بعض التحسن الذي لا يستطيع أحد أن ينكره، خاصة ما يتعلق بالتسهيلات للفلسطيني عند عبوره معبر رفح، لكن ليس قبل العبور. 
 الضغوط التي تعرضت لها مصر بسبب اتخاذها قراراً سريعاً بفتح معبر رفح بعد إعلان المصالحة ضغوط غير مبررة ولا تكفي لتقدمها الحكومة المصرية ولا غيرها، فمصر التي استطاعت أن تقلب الموازين لا يمكن أن تكون مصر الثورة هي ذاتها الحكومة المصرية التي تحاصر غزة وتخنقها. 
 فمصر الثورة اليوم ينتظرها كل فلسطيني بقلب مفتوح ملؤه التقدير والاحترام أن تعلن بوضوح عن تطبيق التسهيلات دون أي تراجع، وتفتح معبر رفح على مدار الساعة لعبور الفلسطينيين سواء المرضى أو الطلاب أو غيرهم دون تمييز بين فئة وأخرى. 
 مصر الثورة المشغولة بالهم الداخلي هي اليوم بحاجة ماسة إلى أن تثبت ذاتها العروبية والإسلامية من خلال بوابة غزة ومن خلال معبر رفح الذي تملك مفاتيحه وحدها، وهي أمام امتحان واختبار حقيقي لصدقية الثورة المصرية في التعاطي مع كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وهو ما قاله صراحة وزير الخارجية المصري الحالي والأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية. 
 لا يمكن لأحد أن يضغط على الأشقاء المصريين وخاصة هذه الفترة الحساسة من تاريخها لكن يقع على عاتقها تحسس هموم المواطن الفلسطيني ليكون معبر رفح البوابة نحو علاقات فلسطينية مصرية متوازنة مبدأها وحده الشعبين الفلسطيني والمصري والحفاظ على أمن الجانبين. 
 يعلم الأشقاء المصريون أن أي مماطلة أو تسويف في حل مشكلة معبر رفح يمكن أن تؤثر على الوضع الداخلي المصري الذي لا يحتمل مزيداً من التجاذبات، وكذلك الساحة الفلسطينية تترقب بحذر شديد تنفيذ الوعود المصرية بإدخال تلك التسهيلات التي طال الحديث عنها وأن تتحول إلى تطبيق عملي يتجسد في كسر الحصار، لتنتهي القصص المؤلمة لآلاف الفلسطينيين ليعيشوا كما يجب أن يعيشوا، وأن تكون العلاقات الفلسطينية المصرية أفضل ما يكون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق