2011/05/29

وأنا أيضًا في الجنة


أرجوكم أن تقرؤوا قصتي حتى نهايتها، فأنا وزملائي في أمس الحاجة إلى أن تتعرفوا علينا عن قرب، وتقدموا لنا كل الدعم والمعونة. د. محمد سعد أبو العزم
اسمي "هشام رفعت الحسيني"، من مواليد عام 1968، بقرية "ميت الصارم" بمحافظة الدقهلية، لا زلت أحمل ذكريات النشأة الأولى مع إخوتي الثلاثة في تلك القرية الرائعة، حتى قرر والدي أن ينتقل لمدينة المنصورة لظروف عمله كمهندس زراعي، وهناك أكملت دراستي حتى الثانوية العامة، كان حلم أبي الدائم أن يراني ضابط شرطة، كان دائمًا ما يحكي لي قصص البطولات والتحدي، وكانت لعبتي المفضلة هي "عسكر وحرامية"، حيث أمثل دور العسكري الذي يطارد الحرامية ويخلص الناس من شرورهم.

وأخيرًا تحقق حلم والدي والتحقت بكلية الشرطة، لا زلت أذكر كلماته وهو يعانقني في تلك اللحظات: (مصر أمانة في رقبتك يا هشام)، كانت تلك الكلمات دائمًا ما تؤرقني، فمع مرور كل يوم بعد تخرجي أكتشف أن الهوة تزداد اتساعًا بين الحلم الذي كنت أسعى لتحقيقه، وبين الواقع الأليم الذي يجب أن أتعامل معه كضابط شرطة، وخصوصً ا بعد تعييني في محافظة القاهرة، لك أن تتخيل مرتبي الهزيل الذي يكاد يكفي لمصاريف الحياة اليومية، وهو ما كان مبررًا لفساد الكثيرين من زملائي، كنت أشاهد بعيني كيف فرض البعض منهم إتاوات على المجرمين مقابل إطلاقهم، تحملت سخرية زملائي وأنا أرفض تلقي الهدايا والرشاوى من التجار ورجال الأعمال، مقابل تسهيل أعمالهم غير المشروعة، كان الصراع النفسي يزداد كل يوم، وأنا أشاهد من حولي يمتلك الشقق والسيارات الفارهة، بينما استطعت أنا بالكاد توفير مسكن بسيط في حي الهرم، ولكن.. في تلك اللحظات بالذات ظهرت "إيناس" في حياتي، موظفة بمصلحة الضرائب على المبيعات، تعيش نفس الأزمة التي أعيشها، زاد إعجابي بها حينما رأيت بعيني كيف رفضت الكثير من الإغراءات المادية مقابل التلاعب في الملفات الضريبية، ولذلك قررت التقدم والزواج منها لنبدأ سويًا حياة جديدة بحلم مختلف، شاركتني السراء والضراء ويشهد الله أنها كانت كثيرًا ما تشد من أزري في مواجهة الظروف الصعبة التي عشناها.

والله وكبرت الأولاد يا "إيناس".. ها هي ابنتنا الكبرى (هَنا) تنتقل للصف الثالث الابتدائي وكعادتها دائمًا متفوقة، أما حبيبة قلبي (جَنا) فسوف تبدأ عامها الدراسي الأول بشقاوتها المعهودة، وآخر العنقود (محمد) يكمل عامه الأول بعد أيام قليلة، كانت حياتنا الأسرية هادئة وجميلة، ولاسيما بعد انتقالي إلى الغردقة مع حركة التنقلات الأخيرة، عملت لمدة عامين بإدارة البحث الجنائي في مديرية الأمن بالغردقة، ثم انتقلت العام الماضي إلى مدينة (القصير) حيث احتفلت بترقيتي إلى رتبة مقدم، ومنصب مفتش مباحث القسم، الحياة هنا هادئة في المدينة ولا يوجد ما ينغصها سوى بعض الأحداث التي أتعامل معها بحزم كما عاهدت أبي، وبما يمليه علي ضميري وديني، لم أكن أقدم على أي خطوة إلا بعد توكلي على الله، وطلب العون منه في صلاتي، كانت تربطني علاقة حب ومودة بكل أهل (القصير)، وكان شعوري بالسعادة غامرًا عندما أهب لنجدة مواطن يبحث عن حقه، أو أستمع لدعوة صادقة يلهج بها لسان البسطاء الذين شعروا بالأمان في وجودي.

وجاء اليوم الموعود.. 25 يناير يوم مختلف في تاريخ مصر، وفي حياتي أيضًا، رفضت بشدة أن أغادر قسم الشرطة كما فعل البعض من زملائي، بصراحة.. كنت سعيدًا لأن ما حدث سوف يكون له انعكاساته الإيجابية على إصلاح الكثير من الفساد في قطاع الشرطة، لم أكن راضيًا عن السلوك الغريب لزملائي بعد انتصار الثورة، وتقاعس بعضهم عن أداء دوره في مواجهة الانفلات الأمني، الغريب أيضًا أن الإعلام كان يساهم في إشعار المواطن بالخوف، من خلال تضخيم حوادث وجرائم عادية تحدث كل يوم، ولكن المشكلة أن الترديد الدائم لنغمة غياب الأمن في وسائل الإعلام كان يشجع ويزيد من جرأة المجرمين.

4 مايو 2011.. حوار هادئ مع صديقي العزيز العميد "ناصر عباس" مأمور قسم شرطة القصير، الذي زاملته خلال العام الأخير، ولمست فيه الكثير من الصدق والإخلاص، كان الوقت فجرًا.. حين تلقينا بلاغًا بقيام مجموعة مسلحة بالسطو على محطة بنزين بمدينة "القصير"، قمت بتجهيز القوة الأمنية بسرعة فائقة، لن أسمح للجرائم والعصابات أن تجد مكانًا في المنطقة، ولذلك فقد كنت أول من تحرك إلى مدخل الطريق، وهناك لمحت السيارة المشتبه فيها، وبدأت عملية المطاردة والتعقب، كان لا بد من استخدام السلاح لإيقافها، أخرجت مسدسي وبدأت في إطلاق النار على الإطارات حتى تمكنت من إصابتها، لتتوقف ويهرب أفراد التشكيل العصابي الأربعة من السيارة إلي المناطق الجبلية المحيطة، لا.. لن أسمح لهم بالإفلات من العقاب، تركت سيارة الشرطة وج ريت خلفهم، فوجئت بإطلاق الرصاص بكثافة شديدة في اتجاهي، اتخذت ساترًا وبادلتهم إطلاق النار، الحمد لله.. تمكنت من إصابة أحدهم، شعرت بأني اقتربت من إنجاز مهمتي وإعادة الهدوء لمدينتي التي أحببتها، ولكن.. ما هذا الألم؟ وكأن عمودًا من النار يخترق جسدي، لا يهم.. سأتحامل على نفسي، حتى أقبض عليهم، حاولت أن أتحرك من مكاني، ولكن خارت قواي، ولم أتمكن من الوقوف، شلال من الدماء يتدفق من صدري، حيث استقر الطلق الناري في قلبي، ابتسمت.. وبدأت الصورة من حولي تختفي شيئًا فشيئًا، كنت أسمع ما يجري من حولي، ولكن لا أستطيع أن أتكلم، معقول أن هذا هو الموت؟ إن كان كذلك.. فأنا أحمد الله تعالى أني مت في ميدان المعركة، يا رب.. أنت تعلم بأني لم أقصر يومًا في عملي، ولم أفعل ما يغضبك، يا رب.. هل أنت راض عني؟ أنا الآن بين يديك يا رحيم، فتقبلني عندك شهيدًا، كل ما أتمناه أن ألحق في الجنة ب"كريم بنونة" و"سالي زهران"، وباقي شهداء الثورة، سوف أحكي لهم عن مصر الرائعة بعد الثورة، سأنقل لهم بطولات أصدقائي من رجال الشرطة، نعم.. هناك الكثير من الشرفاء والأبطال، هل شاهدتم مأمور قسم (الموسكي) وهو يطارد البلطجية في شارع "عبد العزيز"، ويتصدر الجماهير ليتصدى لهم بسلاحه وصدره المفتوح؟ هل تعرفون بطل محافظة "الشرقية" النقيب "إبراهيم السبيلي" الذي طارد المجرمين في كل مكان، وتشوهت ملامح وجهه، بعدما ألقوا عليه مياه نار حارقة؟ أرجوكم.. لا تظلموني أنا والشرفاء، صحيح أن وزير الداخلية قد قام بتكريمي وترقيتي إلى رتبة عقيد، ولكن كانت سعادتي الحقيقية عندما شاهدت الدموع والأحاسيس الصادقة من كل أهالي المنصورة ومن مدينة "القصير"، يكفيني أنهم غيروا من اسم مدرسة البنات الثانوية بالمدينة لتصبح على اسمي، يكفيني سرادق العزاء الذي أقامه كل أهالي "القصير" بالرغم من أني دفنت في مسقط رأسي، يكفيني دعوة صادقة منكم، أو كلمة شكر، والأهم من ذلك كله... يكفيني أني الآن مع شهداء الثورة في الجنة.

يا شباب مصر.. الوطن أمانة في أعناقكم.


منقوووووووووول 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق